فصل: مَوْعِظَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.مَوْعِظَة:

خَطَبَ عَلَيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: اتَّقُوا اللهِ عِبَادَ اللهِ، وَبَادِرُوا آجَالِكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَابْتَاعُوا مَا يَبْقَى بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ- أَيْ اشْتَرُوا مَا يَبْقَى مِنَ النَّعِيمِ الأَبَدِي، مِمَّا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرْ، بِمَا يَفْنِي مِنْ لَذَّة الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَشَهَوَاتِهَا الزَّائِلَةْ، وَتَرْحًلُوا فَقَدْ جَدَّ لَكُمُ الانْتِقَالْ- أَيْ حُثِثْتُمْ وَأُزْعِجْتُمْ إِلَى الرَّحِيلِ- وَاسْتَعِدُّوا فَانْتَبِهُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، فَاسْتَبْدِلُوهَا بِدَارِ الآخِرَةِ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثًا، وَلَمْ يَتْرُكُكُمْ سُدَى- أَيْ مُهْمَلِين، بِلا رَاعٍ يَزْجُرُكُمْ عَمَّا يَضُرُّكُمْ، وَيَسُوقَكُمُ إِلَى مَا يَنْفَعُكُمْ- وَمَا بَيْنِ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ إِلا المَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ، وَإِنَّ غَايةً هِيَ الأَجَلُ، تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ، وَتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ المُدَّةِ، وَإِنَّ غَائِبًا يَحْدُوهُ الْجَدِيدَانِ اللَّّّيْلِ وَالنَّهَارِ لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ الأَوْبَةِ، وَإِنَّ قَادِمًا يَقْدُمُ بِالفَوْزِ أَوْ الشَّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لأَفْضَلِ العُدَّةْ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تُحْرَزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُم غَدًا، فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ، نَصَحَ نَفْسَهُ، قَدَّم تَوْبَتَهُ وَغَلَبَ شَهْوَتَهُ، فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ، وَأَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ، وَالشَّيْطَانُ مُوَكّلٌ بِهِ، يُزَيِّنُ لَهُ المَعْصِيْةَ لِيَرْكَبَهَا وَيُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لَيُسَوِفِهَا حَتَّى تَهْجُمَ مَنِّيَتِهِ عَلَيْهِ، أَغْفَل مَا يَكُونَ عَنْهَا.
قَلَبَ الزَّمَانُ سَوَادَ رَأْسِكَ أَبْيَضَا ** وَنَعَاكَ شَيْبُكَ كُلُّه فَتَيقَضَا

وَعَرَفْتَ نَفْسَكَ فِي سُكُونِكَ قَاعِدًا ** وَعَرَفْتَ نَفْسَكَ إِذْ هَمَمْتَ لِتَنْهَضَا

فَلَئِنْ عَجِبْتُ لأَعْجَبَنَّ لِغَافِل ** يُمْسِي وَيُصْبِحُ لِلْحَوَادِثِ مُعْرِضًا

آخر:
جَهُولٌ لَيْسَ تَنْهَاهُ النَّوَاهِي ** وَلا تَلْقَاهُ إِلا وَهُوَ سَاهِي

يُسَرُّ بِيَوْمِهِ لَعِبًا وَلَهْوًا ** وَلا يَدْرِي وَفي َغِده الدَّوَاهِي

مَرَرْتُ بِقَصْرِهِ فَقُلْتُ مَنْ ذَا ** عَجِِيبًا فِيهِ مُزْدَجَرٌ وَنَاهِي

رَأَيْتٌ بِبَابِهِ سُودَ الجَوَارِي ** فَقَالُوا ذَلِكَ المَلِكُ المُبَاهِي

تَبَيَّنْ أَيَّ دَارٍ أَنْتَ فِيهَا ** وَلا تَسْكُنْ إليها وَادْرِ مَا هِي

اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا عَنِ المَعَاصِي وَالزَّلاتِ وَوَفِّقْنَا لِلْعَمَلِ بِالبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

.فَصْل فِي تَحْرِيمِ الرِّشْوَة:

اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ وَجَمِيعِ المُسْلِمِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، أَنَّ الرِّشْوَةَ دَاءٌ مِنْ أَخْطَرَ الأَدْوَاءِ فَتْكًا بِالمُجْتَمَعَاتِ، ذَلِكَ أَنَّهَا لا تَشِيعُ فِي مُجْتَمَعٍ إِلا تَدَاعَتْ أَرْكَانُهْ، وَهَبَطَ فِي مُسْتَوَاهُ الخُلُقِي إِلَى الحَضِيضِ، وَسَيْطَرَتْ فَيهِ المَادَّةُ الجَشِعَةُ عَلَى الحُكَّامِ وَالمَحْكُومِينَ، فَيُصْبِحُ صَاحِبُ الحَقِّ فِي قَلَقٍ، لأَنَّهُ لا يُمْكِنَهُ الحُصُولُ عَلَى حَقِّهِ إِلا إِذَا قَدَّمَ جُعْلاً لَمْنَ عِنْدَهُ وَسِيلَةٌ لِلْحُصُولِ عَلَيْهِ.
وَلا تَرَى صَاحِبُ ظَلامَةً يَطْمَعُ فَي رَفْعِ ظَلامَتِهِ عَنْهُ، إَلا أَنْ يَرْشِي مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى رَفْعِهَا، وَقَدْ يَبْلُغُ الأَمْرُ بَالمُرْتَشِي إَلَى أَنْ يُمَاكِسَ الرَّاشِي فِي مِقْدَارِ الرِّشْوَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ ذِلَكَ جَهْرًا، بَلا حَيِاءٍ وَلا خَجَلْ.
وَلا تَسْأَلْ عَنْ مَا يَنْتُجُ عَْنَها مِنَ الأَضْرَارِ التي لا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى مِنْ ضَيَاعِ الكَرَامَةِ، وَهَضْمِ الحُقُوقِ، وَقَبْر النُّبُوغْ وَتَلاشِى الْجِدِّ فِي العَمَلِ، وَاضْمِحْلالُ الغِيَرِة عَلِى أَدَاءِ الوَاجِبِ، وَتَرْكَ العَامِلِينَ كُلُّ ذَلِكَ يَذْهَبُ وَلا تَجِدْ لَهُ أَثَرَا، وَيَحِلُّ مَكَانَهُ الخُمُولُ وَالضَّعْفُ، وَالغِشُّ وَالخِيَانَةْ، وَمَا إِلَى ذَلِكْ.
إِذَا رُشْوَة مِنْ سُورِ بَيْتٍ تَقَحَّمَتْ ** لِتَسْكُنَ فِيهِ وَالأَمَانَةُ فِيهِ

سَعَتْ هَرَبًا مِنْهُ وَوَلَّتْ كَأَنَّهَا ** حَلِيمٌ تَوَلَّى عَنْ جَوَابِ سَفِيه

وَتُصَابُ مَصَالِحُ الأُمَّةِِ بِالشَّلَلْ، وَعُقُولِ النَّابِغِينَ بِالعُقْمِ، وَمَوَاهِِبُ المُفَكِّرِينَ بِالجُمُودِ، وَعَزَائِمُ المُجِدِّينَ وَهِمَمِهُمْ بِالخُورِ وَالفُتُورِ، وَأَيُّ خَيْرٍ يُرْجَى مَنْ يَوْمٍ يَكُونُ مِقْيَاسُ الكَفَاءَة فِيهم مَا يَتَقَّرَبُ المَرْؤُوسُ بِهِ مَن قُرَابِين، وَأَيُّ ثَمَرةٍ مِنْ عَمَلٍ لا يُوصَلَ إليه إِلا بِالرُّشَا وَالمَطَامِعِ.
وَقَدْ تُلْبَسُ الرِّشْوَةُ ثَوْبًا مُسْتَعَارًا وَلَكِنْ يَشِفُّ عَنْ حَقِيقَتِهَا كَمَا قِيل:
ثَوْبُ الرِّيَاءِ يَشِّفُ عَمَّا تَحْتَهُ ** فَإِذَا التَحَفْتَ بِهِ فَإِنَّكَ عَارِي

فَقَدْ تَكُونُ الرِّشْوَةُ فِي صُورَةِ تُحْفَةٍ أَوْ هَدِيَّة، أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاء، أَوْ إِبْرَاءٌ مِنْ دِين، أَوْ يُشْرِكهُ في أَرْض أَوْ يَتَوَسَّطُ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكْ، وَنَحْوِ ذَلِكِ وَكُلُّ هَذِهِ الحِيَلِ لا تُزْيلُ الحَقَائِقَ.
وَهْي فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ رُشْوَةٌ بَشِعَةُ المَنْظَرُ، سَيِّئَةُ الْمَخْبَرْ كَرِيهَةُ الرَّائِحَةِ، مُلَوَّثَةٌ لِلشَّرَفِ، مُضَيِّعَةٌ لَلْعِفَّةِ وَالكَرَامَةِ وَالمَهَابَةِ وَلِذَا كَانَ الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي مَلْعُونِين، لأَنَّ الرَّاشِي يُسَاعِدُ المُرْتَشِي عَلَى تَضْيِيعِ الحُقُوقِ، وَيُسَهِّلَ لَهُ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَيُنَمِّي فِيهِ الخُلُقَ الذَّمِيمْ، وَيُيَسِّرُ لَهُ التَّحَكُمَ فِيمَا هُوَ حَقٌّ لِغَيْرِهِ، فَيَسْتَمْرِئُ هَذَا الْمَرْعَى الْوَخِيم، وَالمُرْتَشِي قَدْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ، وَمَنَعَ الحَقَّ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى يَأْخُذُ الرُّشْوَة مِنْهُ.
وَالرُّشْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ هِيَ مَا تُوصِلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ تَمْشِيَةِ بَاطِلْ، أَمَّا مَا وَقَعَ لَلتَّوَصُّلِ لَحِقٍ، أَوْ دَفْعِ ظُلْمٍ، فَلَيْسَ بِرُشْوَةٍ مَنْهِيَّةٍ، قَالَ فِي المُغْنِي: فَأَمَّا الرُّشْوَةُ فِي الحُكْمِ، وِرُشْوَةُ الْعَامِلِ، فَحَرَامٌ بِلا خَلافْ.
قَالَ تَعَالَى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} قَالَ الحَسَنُ، وَسَعِيدُ بنُ جُبَيْر في تَفْسِيره: هُوَ الرِّشْوَة. وَقَالَ: فَأَمَّا الرَّاشِي، فَإِنْ رَشَاهُ لِيَحْكُمَ لَهُ بِبَاطِلْ، أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ حَقًا فَهُوَ مَلْعُونْ، وَإِنْ رَشَاهُ لِيَدْفَع ظُلْمَهُ، وَيَجْزِيَهُ عَلَى وَاجِبَه، فَقَدْ قَالَ عَطَاءٌ، وَجَابِرُ بنُ زَيْدٍ، وَالحَسَنْ: لا بَأَسْ أَنْ يُصَانِعَ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: وَلأَنَّهُ يَسْتَنْقِذُ مَاله، كَمَا يَسْتَنْقِذُ الرَّجُلِ أَسِيرَه. انتهى.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللهُ الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي فِي الحُكْم». أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. أَمَّا الحَدِيثِ فَوْجُهُ الاسْتِدْلالُ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الرَّشْوَةِ وَاضِحْ، إِذْ لا يَسْتَحِقُ لَعْنَةَ اللهِ إِلا فَاسِقٌ أَوْ كَافِرْ، وَأَمَّا الآيةُ فَقِيلَ: إَنَّ مَعْنَاهَا: لا تُدْلُوا بِأَمْوَالِكُمْ إِلَى الْحُكَّامْ، أَيْ لا تُصَانِعُوهُم بِهَا، وَلا تَرْشُوهُمْ لِيَقْطَعُوا لَكُمْ حَقًا لِغَيْرَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لا يَحِلُّ لَكُمْ، فَالآيةُ تَنْهِي المُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يَأَكْلُوا أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ بِالبَاطِلْ، وَالرُّشْوَةُ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ هَذَا الأَكْل الْمَنْهِيّ عَنْهُ. قَالَ بَعْضُهم يَصِف المُحَابِينَ لأَصْدِقَائِهم:
قال الشاعر:
إِذا حَاوَلُوا أَمْرًا لِشَخْصٍ يَهُمُّهُمْ ** تَنَاسُوا أُمُورَ الشَّرْعَ فِيهِ وَلَفَّقُوا

وَإِلا رَمُوا أَوْرَاقِهِ عِنْدَ وَجْهِهِ ** وَقَالُوا لَهُ خُذْ مَا تَرَاهُ وَأَطْرَقُوا

آخر:
وَإلى اليقِينَ وَعَادِ الشَّكَ أَجْمَعَهُ ** وَإلى اليقِينَ وَعَادِ الشَّكَ أَجْمَعَهُ

فَالخَطْبُ عَمَّ وَصَارَ النَّاسُ كُلُّهُم ** مُعَظِّمِينَ لِبِدْعِيٍّ وَمَرْدُودِ

هَذَا الزَّمَانُ الذي كُنَّا نُحَاذِرُهُ ** فِي قَوْلِ كَعبٍ وَفِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُود

فَصَاحِبُ الدِّينِ مَمْقُوتٌ وَمُنْكَتِمٌ ** وَصَاحِبُ الفِسْقِ فِيهِمِ غَيْرُ مَظْهُودِ

كُلٌّ يُقَلِّدُ فِي الأَهْوَاءِ صَاحِبَهُ ** حَتَّى البِلادَ لَهَا شَأنٌ بِتَقْلِيدِ

وَالأَمْرُ بِالعُرْفِ ثُمَّ النَّهْيُ عَنِ نُكُرٍ ** صَارَا لَدَيْنَا بِلا شَكٍ كَمَفْقُودِ

إِذَا نَصَحْتَ لِشَخْصٍ قَالَ أَنْتَ كَذَا ** فِيكَ العُيوبُ لَدَيْنَا غَيْرَ مَحْمُودِ

إِذَا رَأَوا صَالِحًا يَدْعو لِنَهْجِ هُدَىً ** تَأنَّبُوهُ بِإِيذَاءٍ وَتَبْعِيدِ

حُكْمُ القَوَانِينِ قُالُوا فِيهِ مَصْلَحَةٌ ** وَفِي الرِّبَا سَاعَدْتَ شِيبٌ لِمَوْلُودٌ

أَهْلُ الهَوَى وَالرَّدَى مَالُوا لِمُحْدَثَةٍ ** قَالُوا الشَّرِيعَةَ لا تَكْفِي لِمَقْصْودِ

قُولُوا لَهُمْ قُوْلَ نُصْحٍ مَا بِهِ شَطَطٌ ** مَقَالَةً صَاغَهَا حَبْرٌ بِتَسْدِيدِ

مُخَالِفُ الشَّرْعِ لَمْ يَظْفُرْ بِحَاجَتِهِ ** لَوْ نَالِ خَيْرًا قُصَارَاهُ لِتَبْدِيدِ

إِنْ دَامَ هَذَا وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ غِيَر ** لَمْ يُبْكَ مَيْتٍ وَلَمْ يُفْرَحْ بِمَوْلُود

اللَّهُمَّ إِنَّا نسألكَ العافية في الدُّنيا والآخرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفَو والْعَافيةَ في دِيننَا ودُنيانَا وآخِرتنَا وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا، اللَّهُمَّ اسْتُر عَوراتِنا وَأَمنِ روعاتِنا واحْفَظنا مِن بين أيدينا ومنِ خَلفنا وَعن أيمانِنَا وعن شَمائِلنا ومن فَوقِنا ونَعُوذ بعَظمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ من تَحْتِنا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اسلك بنا مناهج السلامة وعافنا من موجبات الحسرة والندامة ووفقنا للاستعداد لما وعدتنا وأدم لنا إحسانك ولطفك كما عودتنا وأتمم علينا ما به أكرمتنا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
فصل:
قَالَ العُلَمَاءُ: الرَّاشِي هُوَ الذِي يُعْطِي الرِّشْوَةُ، وَالمُرْتَشِي هُوَ الذِي يَأْخُذُ الرِّشْوَة، قَالُوا: وَإِنَّمَا سُمِّي مِنْحَةُ الحُكَّامِ رِشْوة لأَنّها وُصْلَةٌ إِلَى المَقْصُودْ، بَنَوْعٍ مِنَ التَّصْنِيع، مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّشَاءِ، وَهُوَ الحَبْلُ الذِي يُتَوَّصل بِهِ إِلَى نَزْحِ المَاءِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَلَيْتَ الحُكْمَ خَمْسًا بَعْدَ عَشْرٍ ** لَعَمْرِي وَالصِّبَا فِي العُنْفُوِانِ

فَلَمْ تَضِعِ الأَعَادِي قَدْرَ شَانِي ** وَلا قَالُوا فُلانٌ قَدْ رَشَانِي

وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ آخر:
أَنَّ اللَّعْنَة عَلَى الرَّائِشَ أَيْضًا، وَهُوَ السَّاعِي بَيْنَهُمَا، وَهُوَ تَابِعٌ لِلرَّاشِي فِي قَصْدِهِ، إِنْ قَصَدَ خَيْرًا لَمْ تَلْحَقُهُ اللَّعْنَةِ، إِلا لَحِقْتَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أِبِي أُمَامَةَ البَاهِلِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَفَعَ لِرَجُلٍ شَفَاعَةً فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةْ، فَقَدْ أَتِى بِابًا مِنْ أَبْوِابِ الرِّبَا»، وَعَنِ ابِنِ مَسْعُودٍ قَال: السَّحُتْ: أَنْ تَطْلُبَ لأَخِيكَ الْحَاجَةَ، فَتَقْضِي فَيُهْدِي إليك هَدِيَّةً فَتَقَبَلُهَا مِنْهُ.
وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَلَّمِ ابْنَ زِيَادٍ فِي مَظْلَمَةٍ فَرَدَّهَا، فَأَهْدَى إليه صَاحِبُ المَظْلَمَةِ وَصِيفًا، فَرَدَّهَا وَلَمْ يَقْبَلُهَا، وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُول: مَنْ رَدَّ عَنْ مُسْلِمٍ مَظْلَمَةٍ فَأَعْطَاهُ عَلَيْهَا قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا فَهْوَ سَحُتْ، فَقَالَ الرَّجُلْ: يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ مَا كُنَّا نَظُنُّ أَنْ السُّحْتَ إِلا الرِّشْوَةُ فِي الحُكْمِ، فَقَالَ: ذَلِكَ كُفْرٌ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ.
قَالَ العُلَمَاءُ: وَيَحْرُمُ عَلَى القَاضِي قُبُولُ هَدِيَّة إِلا مِمَّنْ كَانَ يُهَادِيهِ قَبْلَ وِلايَتِهْ، إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حُكُومَةْ، لِمَا رَوَىَ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِي إلي، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيِجِيءُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهِدِيَ إلي، أَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ فَيَنْظُرَ أُيُهْدَى إليه أَمْ لا، وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا نَبْعَثُ أَحَدًا مِنْكُمْ فَيَأخُذَ شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءْ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرْ» ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رَأَيْتُ عُقْدَةَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» ثلاثًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
لا يَأْمَِنِ الوَقْتَ إِلا الخَائِنُ البَطِرُ ** مَنْ لَيْسَ يَعْقِلُ مَا يَأْتِي وَمَا يَذَرُ

مَا يَجْهَلُ الرُّشْدَ مَنْ خَافَ الإِلَه وَمَن ** أَمْسَى وَهِمَّتُهُ فِي دِينِهِ الفْكَرُ

فِيمَا مَضَى فِكْرَةٌ فِيهَا لِصَاحِبِهَا ** إِنْ كَانَ ذَا بَصَرٍ بِالرَّأْيِ مُعْتَبِرُ

أَيْنَ القُرُونُ وَأَيْنَ المُبْتَنُونَ لَنَا ** هَذِي المَدائِنُ فِيهَا المَاءُ وَالشَّجَرُ

وَأَيْنَ كِسْرَى أَنُو شُرْوانَ مَالَ بِهِ ** صَرَفُ الزَّمَانِ وَأَفْنَى مُلْكَهُ الغِيَرُ

بَلْ أَيْنَ أَهْلُ التُّقَى بَعْدَ النَّبِيّ وَمَنْ ** جَاءَتْ بِفَضْلِهُم الآيَاتُ وَالسُّوَرُ

أُعْدُدْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِيقَ أَوَّلَهُمْ ** وَنَادِ مِنْ بَعْدِهِ فِي الفَضْلِ يَا عُمَرُ

وَعُدَّ مِنْ بَعْدِ عُثْمَانٍ أَبَا حَسَنٍ ** فَإِنَّ فَضْلَهُمَا يُرْوَى وَيُذَّكَرُ

لَمْ يَبْقَ أَهْلُ التُّقَى فِيهَا لِبِرِّهُمُ ** وَلا الجَبَابِرَةُ الأَمْلاكُ مَا عَمَرُوا

فَاْعَملْ لِنَفْسِكَ وَاحْذَرْ أَنْ تُوَرِّطَهَا ** فِي هُوَّةِ مَالَهَا وِرْدٌ وَلا صَدَرُ

مَا يَحْذَرُ اللهَ إِلا الرَّاشِدُونَ وَقَدْ ** يُنْجِي الرَّشِيدَ مِنَ المَحْذُورَةِ الحَذَرُ

وَالصَّبْرُ يُعْقِبُ رِضْوَانًا وَمَغْفِرِةً ** مَعَ النَّجَاحِ وَخِيْرُ الصُّحْبَةِ الصَّبْرُ

النَّاسُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى سَفَرٍ ** وَعَنْ قَرِيبٍ بِهِمْ مَا يَنْقَضِي السَّفَرُ

فَمِنْهُمْ قَانِعٌ رَاضٍ بِعَيْشَتِهِ ** وَمِنْهُمْ مُوسِرٌ وَالقَلْبُ مُفْتَقِرُ

مَا يُشْبِعُ النَّفْسَ إِنْ لَمْ تُمْسِ قَانِعَةً ** شَيْءٌ وَلَوْ كَثُرَتْ فَي مِلْكِهَا البَدْرُ

والنَّفْسُ تَشْبَعُ أَحْيَانًا فَيُرْجِعُهَا ** نَحْوَ المَجَاعَةِ حُبُّ العَيْشِ وَالبَطَرُ

وَالمَرْءُ مَا عَاشَ فِي الدُّنْيَا لَهُ أَثَرٌ ** فَمَا يَمُوتُ وَفِي الدُّنْيَا لَهُ أَثَرُ

اللَّهُمَّ مَكِّنْ مَحَبَّتَكَ فِي قُلُوبِنَا وَقَوِّهَا وَنَوِّرْ قُلُوبَنَا بَنُورِ الإِيمَانِ وَثَبِّتْنَا عَلَى قَوْلِكَ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَزَحْزِحْنَا عَنِ النَّار وَأَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ دَارَ القَرارِ وَمَتِّعْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ وَأَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.مَوْعِظَة:

عِبَادَ اللهْ: لَقْدَ نَهَانَا رَبُّنَا جَلَّتْ قُدْرَتُهُ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَاسْتِحْلالِهَا بِدُونِ حَقٍّ، وَأَخْذِهَا بِوَجْهٍ لَمْ يُبِحْهُ الدِّينْ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ، يَنْهَانَا عَنْ رَفْعَ الدَّعَاوِي الكَاذِبَةِ، وَالإِدْلاءِ بِالقَضَايَا المُخْتَلِقَةِ المُلَفَّقَةِ، وَتَقْدِيمِ صَفَحَاتِهَا إِلَى القُضَاةِ، رَجَاءِ الفَصْلٌ فِيهَا بِالبَاطِلِ، اسْتِنَادًا إِلَى اليمِينِ الغَمُوسِ الْكَاذِبَةِ، وَارْتِكَانًا عَلَى شَهَادَةِ الزُّوْرِ الفَاجِرَةِ، أَوْ اعْتِمَادًا عَلَى الشَّفَاعَاتِ وَالوَسَائِطِ، وَاسْتِظْهَارًا بِتِلْكَ الرَّشَاوِي التِي تُقَدَّمُ بِاسْمِ الهَدَايَا إِلَى مَنْ لا خَلاقَ لَهُمْ، فَيَتَخَّطُونَ العَدَالَةَ لِقَاءَ هَذَا، وَيَجُورُونَ فِي الحُكُومَةِ وَالقَضَاءِ.
إِنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ التِي تُؤْكَلُ بِالبَاطِلِ قَبْسٌ مِنْ نَارْ، وَأُتُونُ مُسْتَعِرَةٌ بِاللَّظَى، وَتَنُّورٌ مَسْجُورٌ، مُوقِد إِنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ التي تُؤْكَلُ بِالبَاطِلِ، جَذْوَةٌ مِنْ لَهِيبٍ، وَشُعْلَةٌ مُتَوَهِّجَةٌ، إِنَّ أَمْوالَ النَّاسِ التِي تُؤْكَلُ بِالبَاطِلِ آفةٌ مُهْلِكَةٌ، تَأْكُلُ الأَخْضَرِ وَاليابِسْ وَتَأْتِي عَلَى الغَضِّ وَالهَشِيمِ، هَذَا إِذَا فَنِيَتْ وَزَالَتْ، وَأَمَّا إِذَا بَقِيَتْ وَدَامَتْ، وَرَبَتْ وَنَمَتْ، وَزَادَتْ وَكَثُرَتَ، وَشَبَّ عَلَيْهَا جِسْمُهُ، وَنَمَا عَلَيْهَا عَظْمُهُ وَلَحْمُهُ، فَالْوَيْلُ ثُمَّ الوَيْلُ ثُمَّ الْوَيْلُ لآكِلِ الحَرَامِ، الْتَفِتُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ يَمِينًا وَشِمَالاً تَرَوْا إِنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ التِي أُكِلَتْ حَرَامًا مَا أَغْنَتْ آكِلِيهَا، وَمَا أَجْدَتْ عَلَى غَاصِبِيهَا وَنَاهِبِيهَا، بَلْ عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، أَتَتْ عَلَى بُيُوتِهِمْ فَخَرَّبَتْهَا، وَدَكَّتْ صُرُوحَ عِزِّهِمْ وَمَجْدِهِمْ فَهَدَّمَتْهَا، فَلَيْتِ شِعْرِي بِمَاذَا يَكُونُ الجَوَابُ إِذَا وَقَفُوا غَدًا بَيِنَ يَدِيْ أَحْكَمِ الحَاكِمِينَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ هِذِهِ الأَمْوَالْ بِأَيِّ وَجِهٍ أَخَذُوهَا، وَعَلَى أَيّ دِينٍ اسْتَبَاحُوهَا، وَبِأَيّ شَيْءٍ يَنْطِقُونَ إَذَا شَهَدَتْ عَلَيْهُمْ الْجَوَارِحُ وَوَاجَهَتْهُمُ الأَعْضَاءُ بِالحَقَائِقِ، فَقَالَ اللِّسَانُ: بِي نَطَقَ كِذْبًا وَبُهْتَانًا، وَقَالَتِ اليدَانِ: بِي أَخَذَ المَالَ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَأَنْفَقَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَقَالَتْ الرِّجْلانْ: بِي سَعِى الأَثِيمُ إِلَى دَارِ القَضَاءِ يَطْلُبُ الإِنْصَافَ، كَأَنَّهُ مَغْبُونٌ وَمَظْلُومٌ، وَقَالَتِ الرِّجْلانِ أَيْضًا بِي مَشَى إِلَى الزِّنَا أَوْ اللِّواطْ، أَوْ السَّرِقَةِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الجَرَائِمْ.
آكِلُ الحَرَامِ فَتِّشْ حَوَاليك تَجِدُ الْحَرَامَ لا يَنْفَعْ، قَلِّبْ النَّظَرَ مَلِيًّا تَرَى المُبْطِلُ لا يَتَقَدَّمْ، تَأَمَّلْ قَلِيلاً وَفَكِّرْ فِي الْعَاقِبَةِ، فَإِنَّ العَافِيَةَ تَزُولُ، ارْجِعْ النَّظَرَ كُرَّاتٍ وَرَدِّدِ الْبَصَرِ مَرَّاتٍ، تُجبْكَ الحَوَادِثُ بِلَهْجَةِ الخَبِيرِ، بِأَنَّ العُمُرَ وَإْنْ طَالَ قَصِيرْ، وَإِنَّ الحِسَابِ عَسِيرُ وَشَدِيدٌ، وَأَنَّ المَوْقِفَ رَهِيبٌ وَشَاقٌ، وَأَنَّ الْمَصِيرَ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ.
أَيُّهَا النَّاسُ أَيْقِنُوا بِأَنَّ الأَحْكَامِ التِي تُؤْخَذُ فِي الدُّنْيَا بِالسَّفْسَطَةِ وَالتَّدْلِيسِ لا تَرْفَعُ الإثْمَ، وَلا تَرُدُّ العِقَابْ، لأنَّ الحُكُومَةْ سَتُعَادُ، وَالشُّهُودَ عِيَانٌ، وَالْقَضَاءُ بِالْقِسْطَاسِ، وَالقَاضِي الحَكَمْ الْعَدْلُ، قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}. وَقَالَ: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الحَاجِيَّاتِ التِي تُؤْخَذُ خِلْسَةً وَتُخْتَطَفُ فِي غَفْوَةٍ، أَوْ تُؤْخَذُ رَغْمًا وَكُرْهًا فِي صَحْوٍ وَيَقَظَةٍ، بَاقِيَةٌ لأَصْحَابِهَا سَتَقْضُونَهَا مِنْ حَسَنَاتِكِمْ، وَتُؤَدُّونَهَا مِنْ مُبَرَّاتِكُمْ، إِنْ كَانَتْ لَكُمْ حَسَنَاتٌ وَمَبَرَّاتٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَ مِنَ خَطَايَا أَصْحَابِهَا فَطُرِحَتْ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ تُلْقَوْنَ بِهَا فِي النَّارِ، فَاتَّقُوا اللهَ، وَتَحَرُّوا الكَسْبِ الطَّيِّبْ، فَقْدَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتْدَرُونَ مَنِ المُفْلِسْ؟» قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعٌ، فَقَالَ: «إِنَّ المُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مِنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَّ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».
خَفِ اللهَ وَانْظْرِ فِي صَحِيفَتِكَ التِي ** حَوَتْ كُلَّمَا قَدَّمْتَهُ مِنْ فِعَالِكَا

فَقَدْ خَطَّ فِيهَا الكَاتِبَانِ فَأَكْثَرَا ** وَلَمْ يَبْقَ إِلا أَنْ يَقُولا فَذَالِكَا

وَوَاللهِ مَا تَدْرِي إِذَا مَا لَقِيتَهَا ** أَتُوضَعُ فِي يُمْنَاكَ أَوْ فِي شَمِالِكَا

وَلا تَحْسَبَنَّ المَرْءَ يَبْقَى مُخَلَّدًا ** فَمَا النَّاسُ إِلا هَالِكٌ فَابْكِ هِالِكَا

آخر:
إِذَا انْقَطَعْتْ أَعْمَالُ عَبْدٍ عَنِ الوَرِى ** تَعَلَّقَ بِالرَّبِ الكَرِيمِ رَجَاؤُهُ

فَأَصْبحَ حُرًا عِزَّةً وَقَنَاعَةً ** عَلَى وَجْهِهِ أَنْوَارُهُ وَضِيَاؤُهُ

وَإِنْ عَلِقَتْ بِالْخَلْقِ أَطْمَاعُ نَفْسِهِ ** تَبَاعَدَ مَا يَرْجُو وَطَالَ عَنَاؤُهُ

فَلا تَرْجُ إِلا اللهَ لِلْخَطْبِ وَحْدَهُ ** وَلَوْ صَحَّ فِي خِلِّ الصَّفَاءِ صَفَاؤُهُ

اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُلُوبَنَا مَمْلُوءَةً بِحُبِّكَ وَأَلْسِنَتَنَا رَطِبَةً بِذْكْرِكَ وَنُفُوسَنَا مُطِيعَةً لأَمْرِكَ وَأَمِّنَّا مِنْ سَطْوَتِكَ وَمَكْرِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ العَافِيةَ فِي دِينِنَا ودُنْيَانَا وَأُخْرَانَا وَأَهْلِنَا وَمَا لَنَا اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَأَمِّنْ رَوْعَاتِنَا وَاحْفَظْنَا مِنْ بَيْنَ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفَنَا وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائِلِنَا وَمِنْ فَوقِنَا ونَعُوذُ بعَظمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ من تَحْتِنا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.